اقتصاد

عبء الشيخوخة في القارة العجوز أقل بكثير من الولايات المتحدة والصين

انحسار العبء المالي للشيخوخة على الموازنات الأوروبية

لطالما اعتُبرت أوروبا -التي تعاني من شيخوخة السكان- حالة شاذة في التركيبة السكانية العالمية، إلا أنه اتضح سهولة تعامل حكومات القارة العجوز مع التكلفة المتزايدة من فواتير المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية، مقارنةً بالاقتصادات المنافسة وعلى رأسها أميركا والصين.

في تقرير مُفصل حول التكلفة المتزايدة على الخزانة العامة نتيجة لشيخوخة السكان في أوروبا، حدد مركز بروغل للأبحاث، ومقره بروكسل، هذا الأسبوع المسارَ حتى عام 2070، باستخدام أحدث البيانات الصادرة عن المفوضية الأوروبية لكل دولة على حدة.

تتكرر المشاكل المألوفة والحلول الضرورية، وعلى رأسها الضغط على الميزانيات بسبب طول أعمار السكان، والحاجة إلى رفع سن التقاعد تدريجياً، وأنظمة معاشات تقاعدية ورعاية أفضل تمويلاً، وهجرة داخلية قائمة على البحث عن العمل والتوظيف.

وأبرز ما جاء في التقرير هو أنه يبدو الآن أن جيل طفرة المواليد قد تقاعد لفترة أطول من آبائهم أو أبنائهم.

ولكن ربما كان أبرز ما استخلصه التقرير هو مدى انحسار العبء المالي الأوروبي نسبياً في مجمله.

هذا الانحسار لا يعني إضفاء بريق على مشكلة مُقلقة، وهي انخفاض القوى العاملة وإثقال كاهل القارة، مع احتمالات منخفضة لعكس مسار الانخفاض المُقلق في معدلات المواليد.

لكن سياق موقع أوروبا في الصورة العالمية، على الأقل من حيث الوضع المالي، يختلف تماماً عن الروايات القاتمة السائدة.

يُقدر تقرير بروغل أن تكاليف الشيخوخة المُرتبطة بأعضاء الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين سترتفع في المتوسط بما يزيد قليلاً على 1% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الخمس والأربعين المُقبلة، وتشمل التكلفة المعاشات التقاعدية، والرعاية طويلة الأجل، والرعاية الصحية، والتعليم.

ومن البديهي أن ندرك أن استمرار انخفاض معدل المواليد المُتوقع يعني أن انخفاض تكاليف التعليم سيُسجل وفورات للكتلة بأكملها.

وبمقارنة الزيادة في التكاليف التي يُحددها التقرير بنحو نقطة مئوية واحدة من الناتج المحلي الإجمالي، أي نحو 210 مليارات يورو مُقارنةً بالناتج المحلي الإجمالي لهذا العام، بتقديرات مُماثلة للولايات المتحدة والصين، تتضح الرؤية.

استخدم بروغل أحدث التقديرات الأميركية طويلة الأجل من مكتب الميزانية بالكونغرس، ليُظهر ارتفاع نفقات الحكومة الفيدرالية والرعاية الصحية بما يتراوح بين 4 و5 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2055، كما استخدم تقديرات المراقبة الاقتصادية السنوية لصندوق النقد الدولي للصين، ليُظهر ارتفاع حصة المعاشات التقاعدية الحكومية وحدها بنحو 9 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2052.

وأشار المؤلفان، ديفيد بينكوس وجاكوب فونك كيركيجارد، إلى أن تكلفة دول الرفاهية الأوروبية ليست هي التي «خرجت عن السيطرة» مع شيخوخة العالم أجمع، «فالمخاطر الحقيقية تكمن في مكان آخر».

تباين اقتصادات أوروبا

هناك تحذير واحد، وهو أن متوسط العبء في الكتلة الأوروبية يُخفي اختلافات كبيرة من دولة إلى أخرى.

في حين أن الاقتصادات الأصغر من المجر إلى لوكسمبورغ قد تشهد ارتفاعاً في التكاليف بنسبة تتراوح من 5 إلى 10 نقاط مئوية حتى عام 2070، إلا أن هناك انخفاضاً مفاجئاً بنقطتين في التكاليف المتوقعة التي ستتكبدها إيطاليا وفرنسا، أما ألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، فتقع في مكان ما في منتصف ذلك بارتفاع قدره نقطتان.

هناك العديد من الفوائد الاستثمارية من هذه النظرة طويلة الأجل، فالنظرة المتشائمة للنمو المحتمل تضع ضغطاً هائلاً على الابتكار والتقدم في الإنتاجية الذي لطالما تأخرت عنه أوروبا، وستكون كيفية تطبيق خطط الإنفاق الدفاعي والإنفاق التحفيزي على مستوى ألمانيا والاتحاد الأوروبي لهذا العام عاملاً رئيسياً في كيفية حدوث ذلك.

ولكن في أسواق السندات العامة الهشة، التي تخشى من استدامة الديون طويلة الأجل وشركات التصنيف الائتماني التي تُقيم المخاطر، ينبغي أن تكون تكلفة رعاية الكبار أمراً جديراً بالتأمل. (رويترز)

زر الذهاب إلى الأعلى