مقالاتالشيخه سهيله فهد الصباح

الكويت تقود الجراحة الروبوتية عن بُعد بمنظومة صحية متقدمة

بقلم: الشيخة/ سهيلة فهد الصباح

في لحظة فاصلة من تاريخ الطب الكويتي، رسخت الكويت موقعها بين الدول المتقدمة في مضمار الابتكار الطبي، بإعلان إنجاز نوعي تمثل في إجراء تسع عمليات جراحية روبوتية عن بُعد، وهو ما يمثل تتويجًا لعقود من العمل المتواصل في تطوير المنظومة الصحية الوطنية وتعزيز كفاءة كوادرها. وهذا الإنجاز، الذي حظي بإشادة سامية من صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، عكس عمق التقدير للكفاءات الوطنية التي تقود التحول الرقمي والطبي في البلاد، حيث بعث سموه ببرقيتي تهنئة إلى كل من وزير الصحة الدكتور أحمد العوضي والدكتور سعد الدوسري، مشيدًا بما تحقق من سبق طبي غير مسبوق يعكس ريادة الكويت في توطين التكنولوجيا الطبية المتقدمة، ومؤكدًا دعمه المتواصل لكل جهد يصب في خدمة الوطن والارتقاء بسمعته العالمية.
وفي التفاصيل، شهد مركز صباح الأحمد للكلى والمسالك في منطقة الصباح الطبية التخصصية واحدة من أكثر العمليات دقة وتعقيدًا، تمثلت في استئصال جذري للبروستاتا لمريض في العقد السادس من العمر باستخدام تقنية الجراحة الروبوتية عن بُعد، بينما كان قائد العملية، الجراح الكويتي الدكتور سعد الدوسري، ينفذها من مدينة ستراسبورغ الفرنسية، عبر نظام تحكم متطور، يربط بين الإنسان والتقنية على بعد آلاف الكيلومترات.

د. سعد الدوسري وهو يجري أول عملية جراحية باستخدام الروبوت عن بعد

وقد تزامن إجراء هذه العملية مع افتتاح المؤتمر العالمي لجراحي الروبوت في مدينة ستراسبورغ، بحضور أكثر من 2500 جراح وخبير من شتى أنحاء العالم، ما منح هذا الحدث بعدًا دوليًا وجعل من التجربة الكويتية نموذجًا يحتذى به في الملتقيات الطبية الكبرى. وقد حرص وزير الصحة الدكتور أحمد العوضي على المشاركة شخصيًا في فعاليات المؤتمر، دعمًا للفريق الكويتي وتأكيدا على التزام الوزارة الراسخ بتعزيز الريادة الصحية. وأكد الوزير في تصريحاته أن “الكوادر الوطنية أثبتت مرة أخرى أنها تمتلك القدرة ليس فقط على مواكبة التكنولوجيا الحديثة، بل على قيادتها عالميًا”، مشيرًا إلى أن الوزارة ستواصل الاستثمار في الكفاءات والتقنيات، لتوفير بيئة محفزة للتميّز والإبداع في كافة مجالات الطب. واللافت أن هذه العملية تُعد التاسعة من نوعها التي تُجرى بالكويت باستخدام تقنية الجراحة الروبوتية عن بُعد خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر، حيث سبق للدكتور الدوسري أن أجرى عمليات مماثلة من مدينة شنغهاي الصينية، ما يعكس استمرارية الأداء وكفاءة النظام المتكامل الذي بات قادراً على تنفيذ عمليات جراحية معقدة وفق أعلى معايير الدقة والسلامة.
ويمثل هذا التطور نقلة نوعية في مفهوم تقديم الخدمات الطبية بالكويت، حيث تنتقل الجراحة من إطارها التقليدي إلى آفاق الذكاء الاصطناعي والتحكم عن بُعد، بما يعزز من فرص العلاج عالي التخصص، خصوصًا في التخصصات الدقيقة التي تتطلب توافر خبرات نادرة أو ظروف تشغيل تقنية متقدمة. كما يعكس هذا الإنجاز حجم التحول الاستراتيجي في بنية النظام الصحي الكويتي، الذي شهد خلال السنوات الأخيرة نهضة شاملة في البنية التحتية، وتوسعًا في المراكز التخصصية، وتبنيًا متسارعًا للذكاء الصناعي في التشخيص والجراحة. كل ذلك يأتي امتدادًا لمسيرة بدأت منذ إنشاء أول مستشفى حكومي في البلاد عام 1949، وتواصلت بخطى مدروسة لبناء منظومة صحية تعتمد على الجودة، الابتكار، والتكامل المؤسسي.
ولقد خطت الكويت خلال العقود الماضية خطوات راسخة نحو بناء شبكة صحية متعددة الأبعاد، تُركز على الوقاية، الرعاية التخصصية، والتعليم الطبي، وهو ما مهد الطريق أمام إنجازات كبيرة في مجالات كجراحة القلب، وزراعة الأعضاء، وعلاج الأورام، وإدارة الأزمات الصحية، مما عزز مكانتها كمركز طبي مرجعي على مستوى الخليج والمنطقة. ويمثل نجاح الجراحة الروبوتية عن بُعد إنجازًا طبيًا وعلميًا، لكنه أيضًا رسالة سياسية وإنسانية بامتياز، تؤكد التزام الكويت بتوفير أفضل رعاية ممكنة لمواطنيها والمقيمين فيها، وتفتح الباب أمام استثمارات نوعية في الطب الذكي، بما يرسخ حضور الكويت كمركز إقليمي للابتكار في القطاع الصحي.
ومع تزايد تحديات العصر، تبرز أهمية هذا النوع من الإنجازات الذي يجمع بين الإرادة السياسية، الكفاءة الطبية، والابتكار التكنولوجي. ومن هنا، فإن الكويت لا تحتفل بعملية جراحية فقط، بل ترسّخ فلسفة جديدة في الرعاية الصحية، عنوانها: “الإنسان أولًا، والعلم سبيلنا للريادة”. إن الإنجاز الطبي الذي تحقق ليس وليد لحظة، بل ثمرة عقود من التأسيس والتخطيط والرؤية، التي أثمرت منظومة صحية قادرة على المنافسة عالميًا، ووضعت الكويت في موقع الشريك الفاعل في مسيرة الطب العالمي. وهو ما يؤكد أن استثمار الكويت في المعرفة الطبية، وتكامل العمل بين القيادة والكوادر الوطنية، سيظل سر تقدمها في عالم يتغير بسرعة، ولا مكان فيه إلا لمن يواكب المستقبل بعين مبتكرة وقلب ينبض بالوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى