طارق يوسف الشميمري

مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي: تحول استراتيجي في خريطة التحالفات العالمية

بقلم  : طارق يوسف الشميمري

الأمين العام السابق لمركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي

تشهد دول مجلس التعاون الخليجي تحولاً جيوسياسياً واقتصادياً تاريخياً، حيث انتقلت من اقتصاد نفطي تقليدي إلى لاعب عالمي فاعل في القنوى الاقتصادية الدولية والتحالفات الاستراتيجية. ويأتي هذا التحول في إطار جهودها لتنويع الشراكات وتقليل الاعتماد على التحالفات التقليدية.

تُعدّ آسيا حالياً الوجهة الرئيسية لصادرات الطاقة الخليجية، حيث تستهلك أكثر من 70% من إجمالي صادرات دول مجلس التعاون الخليجي من النفط والغاز. وتتصدر الصين قائمة المستوردين، حيث تستحوذ على 20% من إجمالي الصادرات، تليها الهند، التي أصبحت ثاني أكبر مستورد  للنفط الخام في العالم بعد الصين، حيث زادت وارداتها بنسبة 36% خلال العقد الماضي.

تحولت العلاقة من مجرد تبادل تجاري إلى استثمارات مشتركة واسعة النطاق، حيث تسعى شركات كبرى مثل أرامكو السعودية، وأدنوك الإماراتية، ومؤسسة البترول الكويتية إلى إبرام اتفاقيات تكرير وبتروكيماويات في آسيا لضمان استمرار الطلب على النفط الخام.

بلغ حجم التجارة بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي حوالي 178.56 مليار دولار أمريكي في السنة المالية 2024-2025، مما يجعل دول مجلس التعاون الخليجي أكبر شريك تجاري إقليمي للهند. وتشير البيانات إلى أن الاستثمارات الخليجية التراكمية في الهند بلغت حوالي 28.28 مليار دولار بحلول ديسمبر 2024.

في الوقت نفسه، يُحرز مجلس التعاون الخليجي تقدمًا ملحوظًا في التكامل الداخلي، حيث بلغ إجمالي التجارة بين دوله 1.5 تريليون دولار في عام 2024، ليحتل المرتبة السادسة عالميًا من حيث حجم التجارة، ويمثل 3.2% من إجمالي حجم التجارة العالمية.

 احتلت دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعةً المرتبة الثالثة عالميًا من حيث الفائض التجاري، حيث بلغ 110 مليارات دولار، بينما بلغ حجم التجارة البينية حوالي 146 مليار دولار في عام 2024، بمعدل نمو سنوي قدره 9.8% مقارنة بعام 2023.

كما تشهد العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى تطورًا ملحوظًا، حيث بلغ حجم التجارة بين الجانبين حوالي 10 مليارات دولار، مع توقعات بأن يرتفع هذا الرقم إلى أكثر من 30 مليار دولار في المستقبل المنظور.

تمثل آسيا الوسطى فرصة استثمارية مهمة لدول الخليج نظرًا لما يلي:

وفرة الموارد الطبيعية: فهي تمتلك احتياطيات مناسبه من الطاقة والمعادن.

موقع استراتيجي: فهي تشكل جسرًا جغرافيًا بين آسيا وأوروبا.

بيئة استثمارية جاذبة: بنية تحتية ميسورة التكلفة وعمالة منخفضة التكلفة.

من جانب آخر  شهدت العلاقات الخليجية الروسية تطورًا ملحوظًا في مجالات الطاقة والتعاون العسكري. وقد انتعشت العلاقات في أوائل التسعينيات، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، من خلال اتفاقيات عسكرية وتجارية. تطورت العلاقات لتشمل التعاون في مجال الطاقة، والحوار السياسي، والزيارات المتبادلة. وتمثل صناديق الثروة السيادية الخليجية أداةً استراتيجيةً لتعزيز النفوذ الاقتصادي العالمي، من خلال الاستثمار في مشاريع متنوعة، من الطاقة المتجددة إلى التكنولوجيا المتقدمة حول العالم.

تشمل الاتجاهات المستقبلية (2025-2035) لصناديق الثروة السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي ما يلي:

تعزيز الشفافية والحوكمة في صناديق الثروة السيادية، وتطوير آليات إدارة مخاطر الاستثمارات الأجنبية.

تسريع شراكات الطاقة النظيفة (الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة) مع الاتحاد الأوروبي والهند والصين.

الحفاظ على سياسة التوازن الدبلوماسي مع تنويع الشركاء الأمنيين والاقتصاديين.

الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا لزيادة المحتوى المحلي في المشاريع الخارجية، ونقل الثروة إلى اقتصاد قائم على المعرفة.

ومع ذلك، تواجه دول المجلس تحديات عديدة، ناشئة بشكل رئيسي عن:

التحولات الجيوسياسية: مع تصاعد سياسات الحماية الأمريكية.

المنافسة الدولية: وخاصةً مع تنامي التوجه الآسيوي.

الحاجة إلى التكامل الإقليمي: لتعزيز مواقف التفاوض الجماعي.

على الرغم من هذه التحديات، هناك أيضًا فرص متاحة لدول مجلس التعاون الخليجي، منها:

استمرار نمو الطلب الآسيوي على الطاقة: خاصة مع توقع أن تصبح الهند أكبر مصدر للطلب العالمي على النفط بحلول عام 2030.

التحول إلى الطاقة المتجددة: مع زيادة دول الخليج استثماراتها في هذا المجال.

التكامل مع الاقتصادات الناشئة: في آسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية.

لم يعد مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي مرتبطًا بالثروة النفطيه بباطن الأرض فحسب، بل أيضًا قدرات العقول، والاستثمارات الذكية، والشراكات الاستراتيجية المتوازنة، هي التي ستحدد مستقبل المنطقة. من خلال تسخير القوة الاقتصادية الناشئة لتعزيز الأمن والاستقرار، وإدارة العلاقات الدولية ، ويمكن لدول مجلس التعاون الخليجي الحفاظ على دورها كلاعبين جيوسياسيين واقتصاديين فاعلين في المشهد العالمي متعدد الأقطاب.

يمثل الانتقال من اقتصاد واحد إلى اقتصاد متنوع، ومن العلاقات التقليدية إلى شراكات استراتيجية شاملة، رحلة تاريخية ستحدد موقع دول الخليج في النظام العالمي الجديد خلال العقد المقبل، مع الاستفادة من تحولات النظام الدولي نحو التعددية القطبية لتعظيم مصالحها وتحقيق رؤى تنموية طموحة.

زر الذهاب إلى الأعلى